کد مطلب:370279 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:843

الفصل الثالث عقائد.. وأقاویل
 













الصفحة 196












الصفحة 197


عقائد «الخوارج»:


إن بدایة ظهور «الخوارج» كانت ترجع إلى دوافع دنیویة، هی حب الراحة من عناء الحرب، والسلامة من أخطارها، ثم تلفعت بشبهة أنتجها الجهل، وحملهم على الإمعان فی التحدی، وفرض المواقف والآراء المتباینة طیش ورعونة، وقلة تبصر وغرور، وافتقاد للروادع الدینیة والوجدانیة. وزین لهم الشیطان أنهم ظاهرون..


فلم تكن للخوارج فی تلك المرحلة آراء، وعقائد تمیزهم عن سائر الناس سوى تلك الشبهة التی أوقعهم الهوى، وحب الدینا والشیطان فی حبائلها..


ثم إن أهواءهم المختلفة، وجهلهم الفاضح، واندفاعاتهم الرعناء قد أسهمت فی ارتجال أوهام مختلفة، كانت تهدف إلى تبریر جرائم أو نزوات دعاهم إلیها الهوى، وسهل لهم الوقوع فیها ذلك الجهل، حیث غابت عن ساحة الممارسة كل الروادع الإیمانیة والوجدانیة..


وكانت حصیلة ذلك كله مجموعة من السقطات المخجلة والمشینة، سمیت باسم عقائد ومقولات، واعتبرت أساساً لمواقفهم وممارساتهم، وحركتهم السیاسیة، والعسكریة والدینیة.. مع أنها لم تكن












الصفحة 198


سوى جهالات انتجتها الأهواء، ودعا إلیها الجهل والغباء حسبما أشرنا إلیه..


ونذكر فی هذا الفصل بعضاً من ذلك، فنقول..


عقائد «الخوارج» لمحات وسمات:


ومهما یكن من أمر: فإننا إذا استثنینا الإباضیة، الذین فرضت ظروفهم تحدید معالم عقیدتهم، فإننا نلاحظ على «الخوارج»: أنهم «لم تكن لهم كذلك مجموعة منسقة من المبادئ، وتظهر لنا مبادئهم وكأنها آراء خاصة»(1).


و«كانت تتعدل وتتطور وفق مقتضیات الحال، حتى وجدنا «الخوارج» فی أواخر العصر الأموی یأخذون بمبدأ التقیة. ویعمدون إلى الدعوة السریة المنظمة، كأسلوب یناوؤون به الحكومة الأمویة»(2).


«الخوارج» وأهل السنة:


وقد یتعجب البعض من قول بعض المستشرقین إن طالب الحق الذی خرج فی أواخر الدولة الأمویة: «أكد أنه لا اختلاف بین مذهب «الخوارج» ومذهب أهل السنة والجماعة فی الجوهر»(3).


ولا ندری ما الذی دعاه إلى قول ذلك، ونحن نرى الفرق بین هذین الفریقین كالنار على المنار، وكالشمس فی رابعة النهار، ولا أقل من أن أهل السنة یترضون على علی وعثمان، ومعاویة وطلحة والزبیر، وعائشة


____________



(1) دائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص474.


(2) قضایا فی التاریخ الإسلامی ص90.


(3) الخوارج والشیعة ص107.













الصفحة 199


وعمرو بن العاص، وغیرهم، و«الخوارج» یكفرون هؤلاء جمیعاً، أو على الأقل لا یرضون عنهم. بالإضافة إلى فروق كثیرة أخرى ستتضح إن شاء الله فی هذا الفصل.


«الخوارج» والسبأیة:


ولعل أغرب ما سمعناه وقرأناه هو ما زعمه البعض، من أن هناك علاقة عقائدیة وتاریخیة ـ على الأقل ـ بین قادة «الخوارج»، وفرقة السبئیة وذلك لمعارضة أولئك القادة لعثمان نفسه، واشتراكهم جمیعاً فی المسؤولیة عن قتله(1).


وقد رد صابر طعیمة على هذا بأن «الخوارج» كانوا ینعتون الشیعة بالسبئیة كما اعترف به هو نفسه(2).


ثم ذكر صابر طعیمة: أنهم كانوا نبتة إسلامیة، وأن ربطهم بابن سبأ یهدف إلى أن یحكم التاریخ علیهم بأنهم بذرة فاسدة، بذرها الیهودی ابن سبأ(3).


ونرید أن نذكّر القارئ هنا: بأن هذا الزاعم المتحذلق لم یوضح لنا ما هی المواضع العقائدیة والتاریخیة التی التقى فیها السبئیة مع «الخوارج»، وهل ظهر «الخوارج» فی عهد عثمان؟ أم فی عهد علی (علیه السلام)؟!


ومن هم القادة من هؤلاء وهؤلاء الذین یتحدث عنهم هذا المؤلف؟!


____________



(1) الإباضیة ص32 عن: الخوارج والشیعة ص38.


(2) الإباضیة ص32 عن الخوارج والشیعة ص38.


(3) الإباضیة ص32.













الصفحة 200


وهل یدخل فیهم عائشة وطلحة والزبیر، وغیرهم ممن ألّب الناس على عثمان، وشارك فی قتله؟!


وكیف یمكنه أن یثبت وجود طائفة باسم السبئیة فی عهد عثمان.


وهل مشاركتهم فی المسؤولیة عن قتل عثمان تجعل بین الفریقین ـ لو سلم وجودهما ـ علاقة عقائدیة وتاریخیة؟!


ألیس قد شارك عامة الصحابة، وغیرهم من الذین جاؤوا من العراق ومن سائر البلاد فی قتل عثمان، فهل یصح القول بأن بین هؤلاء جمیعاً وبین «الخوارج» علاقة عقائدیة؟!


«الخوارج» كفار مشركون:


ولا حاجة إلى إقامة الأدلة على كفر فرقة «الخوارج»، بعد ان وصفهم رسول الله (صلى الله علیه وآله) بأنهم یمرقون من الدین مروق السهم من الرمیة.


وعن مصعب بن سعد قال: سئل أبی عن «الخوارج» قال: هم قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم.


وعن أبی مسروق، قال: سألنی أبو عبد الله عن أهل البصرة ما هم؟!


فقلت: مرجئة، وقدریة، وحروریة.


فقال: لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة، التی لا تعبد الله على شیء(1).


الروایة المزیفة:


وإن موقف أهل البیت (علیهم السلام) من «الخوارج»، الذی عبرت


____________



(1) الكافی ج1 ص301.













الصفحة 201


عنه روایة أبی مسروق الآنفة الذكر.. هو كالنار على المنار، وكالشمس فی رابعة النهار، وهذا الموقف یفرضه التصدیق والانقیاد لإخبار رسول الله (صلى الله علیه وآله) بمروقهم من الدین.


فلا مجال للإصغاء لما یرویه «الخوارج» أنفسهم، وآخرون ممن تابعوهم على ذلك، من ان أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: إنهم لیسوا كفاراً ولا مشركین، بل هم إخواننا بغوا علینا وقد تقدم الحدیث عن ذلك فی فصل: تزویر «الخوارج» للحقائق..


ولنبدأ بذكر نبذة یسیرة من عقائد هذه الفئة، وسنرى كم هی بعیدة عن الصواب، وكم هی مجانبة لمقتضیات الفطرة والوجدان، وغریبة عن هدى القرآن، وما ثبت عن رسول الإسلام (صلوات الله وسلامه علیه) وعلى آله الطیبین الطاهرین..


فنقول:


القلقشندی، وعقائد «الخوارج»:


وقد سجل لنا القلقشندی بطریقة ممیزة بعض ما یذهبون إلیه فی عقائدهم فروى لنا أنهم یقولون: «.. وإلا أجزت التحكیم.


وصوبت قول الفریقین فی صفین.


وأطعت بالرضى منی حكم أهل الجور.


وقلت: فی إمارة بنی أمیة عدل. وأن قضاءهم حق.


وأن عمرو بن العاص أصاب، وأن أبا موسى ما أخطأ.


واستبحت الأموال والفروج بغیر حق.












الصفحة 202


واجترحت الكبائر والصغائر، ولقیت الله مثقلاً بالأوزار.


وقلت: إن فعلة عبد الرحمن بن ملجم كفر، وإن قاتل خارجة آثم.


وبرئت من فعلة قطام.


وخلعت طاعة الرؤوس.


وأنكرت أن تكون الخلافة إلا فی قریش وإلا..


فلا رویت سیفی من دماء المخطئین»(1).


الله تعالى وصفاته لدى «الخوارج»:


وقد قال بعض الإباضیة: من قال بلسانه: إن الله واحد، وعنى به المسیح، فهو صادق فی قوله، مشرك بقلبه(2).


والخلفیة من «الخوارج» قد خالفوا أهل السنة، فهم لا یرون: أن الخیر والشر من الله تعالى(3).


والمیمونیة لا یرون أن الشر من الله تعالى(4).


والإباضیة أباحوا قتل المشبهة، وسبی نسائهم وذراریهم، واتباع مدبرهم(5).


____________



(1) صبح الأعشى ج3 ص225.


(2) الإباضیة ص75 عن مقالات الإسلامیین ج2 ـ ص107.


(3) اعتقادات فرق المسلمین والمشركین ص59.


(4) المصدر السابق ص58.


(5) الإباضیة ص82.













الصفحة 203


ویعتقد النفائیة: ان الله هو الدهر(1).


النبوة والنبی:


عن عبد الله بن مسلم المروزی قال: كنت أجالس ابن سیرین، فتركته، وجالست الإباضیة فرأیت كأنی مع قوم یحملون جنازة النبی (صلى الله علیه وآله)، فأتیت ابن سیرین، فذكرته له، فقال:


مالك جالست أقواماً یریدون أن یدفنوا ما جاء به النبی (صلى الله علیه وآله)؟!(2) وبالنسبة للنبوة، فقد قال یزید بن أبی أنیسة: «إن الله تعالى سیبعث رسولاً من العجم، وینزل علیه كتاباً قد كتب فی السماء، وینزل علیه جملة واحدة، ویترك شریعة المصطفى، ویكون على ملّة الصابئة المذكورة فی القرآن».


وفی نص آخر: «ولیس هم الصابئة المذكورون فی القرآن، ولم یأتوا بعد»(3).


وجوز الأزارقة: «أن یبعث الله نبیاً یعلم أنه یكفر بعد نبوته، أو كان كافراً قبل بعثته»(4).


____________



(1) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص58.


(2) سیر أعلام النبلاء ج4 ـ هامش ص617 عن ابن عساكر ج15 ص227.


(3) دائرة المعارف الإسلامیة، ج8 ص475 والإباضیة ص86و72 عن الملل والنحل، ج1 ص36 و122 وراجع: نظرة عامة فی تاریخ الفقه الإسلامی، ص172 والخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة، ص135و94 وتبصرة العوام، ص41 والأنوار النعمانیة، ج2، ص247 وعن مقالات الإسلامیین ج1 ص171.


(4) الملل والنحل، ج1 ص121/122 والخوارج فی العصر الأموی، ص225 عنه والأنوار النعمانیة، ج2 ص247 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی، ج7 ص9.













الصفحة 204


وهو قول ابن فورك من الأشعریة، لكنه زعم أن هذا الجائز لم یقع(1).


وقال بعض الإباضیة: قد یجوز أن یبعث الله نبیاً بلا دلیل(2).


ومن فرق الإباضیة فرقة الحسینیة، قالوا: یسع جهل معرفة محمد (صلى الله علیه وآله)، ولیس على الناس إلا معرفة المعبّر عنه(3).


وزعم یزید بن أبی أنیسة: «أنه یتولى من شهد بالنبوة لمحمد من أهل الكتاب، وإن لم یدخلوا فی دینه، ولم یعملوا بشریعته، وزعم أنهم بذلك مؤمنون»(4).


إنكار شفاعة الرسول (صلى الله علیه وآله):


وكانوا ینكرون شفاعة الرسول (صلى الله علیه وآله) یوم القیامة(5).


ولعل الوهابیین قد تأثروا بهم فی ما ذهبوا إلیه، وكذلك بعض المتاخرین الذین ینسبون أنفسهم إلى الشیعة، وقد ظهر أنهم لیسوا منهم..


«الخوارج» والتبرك بآثار الأنبیاء (علیهم السلام):


وتشیر بعض النصوص إلى أن «الخوارج» ینكرون التبرك بآثار الأنبیاء والصالحین، تماماً كما هو مذهب الوهابیة وابن تیمیة، فبئس الخلف لبئس


____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج7 ص9.


(2) الإباضیة ص75 عن مقالات الإسلامیین ج2 ص107.


(3) الإباضیة ص62.


(4) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص104 عن مقالات الإسلامیین ج1 ص171 والخوارج عقیدیة وفكراً وفلسفة ص95 عنه ایضاً.


(5) الخوارج فی العصر الأموی ص205 عن الإیمان لابن تیمیة ص142و143 ـ ط سنة 1325ه القاهرة.













الصفحة 205


السلف: «إنك إن تذرهم یضلوا عبادك، ولا یلدوا إلا فاجراً كفاراً»(1).


وبعد أن ذكر الذهبی تبرك أحمد بن حنبل الذی ینتسب إلیه الوهابیة، بشعرة من شعر النبی (صلى الله علیه وآله)، یقبلها، ویستشفی بها، وبقصعة النبی (صلى الله علیه وآله)، وكان یشرب من ماء زمزم یستشفی به، بعد أن ذكر الذهبی ذلك، قال: أین المتنطع المنكر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن یلمس رمانة منبر النبی (صلى الله علیه وآله)، ویمس الحجرة النبویة. فقال: «لا أرى بذلك بأساً، أعاذنا الله وإیاكم من رأی الخوارج والبدع..»(2).


السیاسة الحجاجیة الأمویة:


والمنع من التبرك بآثار رسول الله (صلى الله علیه وآله) سیاسة أمویة حجاجیة، أظهرها الحجاج بصورة فجّة، ووقحة، وتبعه الآخرون على ذلك، فإنه هو الذی رمى الكعبة ـ أعزها الله ـ بالمنجنیق.


بل لقد روی أنه: «رماها بالعذرة لعنه الله وأخزاه»(3).


وكان الحجاج یرید أن یضع رجله على مقام إبراهیم، فمنعه ابن الحنفیة وزجره(4).


وكان خالد القسری یسمی زمزم أم الجعلان(5).


وله قضایا صریحة فی إهانة الكعبة لا مجال لذكرها، فلتراجع فی


____________



(1) سورة نوح، الآیة: 27.


(2) سیر أعلام النبلاء ج11 ص212.


(3) عقلاء المجانین ص178 والفتوح لابن أعثم ج2 ص486 وذكروا: أنه رماها بالعذرة.


(4) المصنف للصنعانی ج5 ص49 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص84 وربیع الأبرار ج1 ص43.


(5) الأغانی ج19 ص60و59 وتهذیب تاریخ دمشق ج5 ص82.













الصفحة 206


مظانها(1).


وأنفذ الولید الأموی رجلاً مجوسیاً، لیبنی له على الكعبة مشربة للخمر. كما انه فی عهد هشام قد ذهب إلى مكة، ومعه خمر، وقبة دیباج على قدر الكعبة، وأراد أن ینصبها علیها، ویجلس فیها، فخوفه أصحابه من ثورة الناس حتى امتنع(2).


وها نحن نجد زعیم الوهابیة یقول عن النبی (صلى الله علیه وآله): ما هو إلا طارش(3).


ثم یأتی من ینسب إلى مذهب أهل البیت (علیهم السلام)، ویقول: لمن یسأله عن مسك الحدید لضریح النبی (صلى الله علیه وآله) والاتهام بالشرك «ما الفائدة التی نستفیدها من أن نمسك شباكاً، أو نمسك الحدید»(4).


قال هذا الكلام فی كتاب: أجرى علیه بعض تلامیذه بعض الملاحظات بإشرافه.


الإمام والإمامة عند «الخوارج»:


قال النكاریة ـ وهم فرقة من الإباضیة ـ: «بعدم فرضیة الإمام»، وبعدم جواز ولایة المفضول، مع أن أئمة الإباضیة كانوا یقولون: إنه تجوز ولایة المفضول مع وجود الأفضل، إذا وجدت فی المفضول مزایا ترجحه لیست للأفضل(5).


____________



(1) الأغانی ج19 ص60و59.


(2) بهج الصباغة ج5 ص340 عن الطبری، والأغانی.


(3) كشف الإرتیاب ـ ص139 وراجع ص430 عن خلاصة الكلام ص230.


(4) مجلة الموسم: العددان [21و22] سنة 1995م ص299.


(5) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص67و52و53 عن الإباضیة فی الجزاء ص56 وعن الإباضیة بین الفرق الإسلامیة ص262و363.













الصفحة 207


ویتحدث البعض عن توفر المصادر حول الإمامة عند الإباضیة، وعدم توفرها لدى «الخوارج» لندرة تدوین بحوثهم فی هذا الموضوع، ویقول: «یبدو أن ندرة مصادرهم لازمتهم تاریخیاً، ولعل ذلك بسبب عدم استواء المذهب فكریاً، بالرغم من العنف السیاسی الذی لازمهم فترة طویلة»(1).


وقال فلهوزن، وهو یتحدث عن «الخوارج»: «ولهذا فمن الصحیح موضوعیاً، وإن لم یصح شكلاً أن یؤخذ علیهم أنهم لا یریدون الإقرار بأیة إمارة(2). وای فكرة تدعی دعاوى كهذه لابد أن تحطم الجماعات التی أقیمت لأجلها»(3).


وقال السید نعمة الله الجزائری، عن المحكّمة الذین خرجوا على أمیر المؤمنین (علیه السلام): «لم یوجبوا نصب الإمام، بل جوزوا أن لا یكون فی العالم إمام»(4).


وقال البعض أیضاً: «وفیما نعتقد ـ والله أعلم ـ أن جمهورهم على عدم القول بوجوب نصب الإمام، اكتفاءً بمقولتهم: «لا حكم إلا لله»، وعدم الوجوب على الإطلاق، لا على الله، ولا على الناس»(5).


____________



(1) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص132. وأشار فی الهامش إلى المصادر التالیة: البدء والتاریخ ج5 ص136 وتطهیر الجنان للهیثمی ص44 وتلبیس إبلیس ص99.


(2) أشار فی الهامش إلى الكامل ص555 سطر 18.


(3) الخوارج والشیعة ص44.


(4) الأنوار النعمانیة ج2 ص245.


(5) الإباضیة ص133و134.













الصفحة 208


وقال المعتزلی: «إن الخوارج كانوا فی بدء أمرهم یقولون ذلك، ویذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الإمام، ثم رجعوا عن ذلك القول لما أمروا علیهم عبد الله بن وهب الراسبی»(1).


وقال غیره: «.. وحتى عصر شیخ الإسلام ابن تیمیة (رحمه الله) لم یكن للخوارج فی هذا الموضوع مدونات یمكن الاطلاع علیها، تحدد جوهر معتقدهم السیاسی والدینی فی موضوع الإمامة. ولذا یقول (رحمه الله): وأقوال «الخوارج» إنما عرفناها من نقل الناس عنهم، لم نقف لهم على كتاب مصنف، كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة»(2).


ومن مبادئ النجدات: «أنهم یرون أن إمامة الإمام لیست واجباً وجوباً شرعیاً، بل هی واجب وجوباً مصلحیاً. أی أنهم یرون أنه إذا أمكن للمسلمین أن یتواصلوا بینهم بالحق، وینفذوه، فهم فی هذه الحالة لیسوا فی حاجة إلى إقامة إمام، ماداموا قد تناصفوا فیما بینهم، فإذا أقاموه جاز»(3).


وبتعبیر آخر: «قالت النجدیة من الخوارج: الأمة غیر محتاجة إلى إمام ولا غیره، وإنما علینا وعلى الناس، أن نقیم كتاب الله عز وجل فیما بیننا»(4).


____________



(1) فجر الإسلام ص260 عن شرح النهج للمعتزلی ج2 ص209.


(2) الخوارج عقیدة ومذهباً ص133 وأشار إلى مجموعة الرسائل الكبرى ج1 ص37.


(3) الخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص76و77.


(4) فرق الشیعة ص29 والأنوار النعمانیة ج2 ص247 والخوارج عقیدةً وفكراً وفلسفة ص127 ومقالات الإسلامیین ج2 ص33 ونقل أیضاً عن الملل والنحل ج1 ص167و168 وراجع: الإباضیة ص133و134 عن المواقف ج8 ص393.













الصفحة 209


وقال الربیع بن حبیب الإباضی: «.. یجوز تولیة رجل من المسلمین، إذا كان فیهم من هو أفقه منه»(1).


والربیع هذا هو فقیه الإباضیة، وصاحب الجامع الصحیح، المسند الإباضی المشهور.


وفی المواقف: «قالت الخوارج: لا یجب نصب الإمام أصلاً»(2).


واستدلوا على عدم وجوب نصب الإمام بأن نصبه یثیر الفتنة، لأن الأهواء مختلفة، فیدعی كل قوم إمامة شخص، فیقع التشاجر والتناحر، والتجربة شاهدة بذلك(3).


ومن الواضح: أن دلیلهم هذا لو صح، فإنما یصح لو كان نصب الإمام یعود إلى الناس الذین یختلفون فی أهوائهم، وفی آرائهم، وانتماءاتهم، أما إذا كان الله هو الذی یختار لعباده، فلیس لأحد من الناس أن یعترض، أو أن یرشح، أو أن ینصب، أو أن یختار، أو أن یوالی غیر من نصبه الله سبحانه.


«الخوارج» والمهدیة:


إنه وإن لم تصرح كثیر من الفرق الخارجیة بشیء حول اعتقادهم بالمهدیة أو عدمه، إلا أن بعضها الآخر قد صرح بأنه یذهب إلى هذا الاعتقاد بلا ریب.


وقال الفرد بل: «إن حركة الخوارج لم تنطفئ بغزو الشیعة فی مستهل القرن الثالث الهجری [التاسع المیلادی]، بل استردت


____________



(1) الإباضیة عقیدة ومذهباً وفلسفة ص51.


(2) الإباضیة ص133 عن المواقف وعن الصواعق المحرقة ص8 وعن الملل والنحل ج1 ص116.


(3) الإباضیة ص134 عن المواقف ج8 ص348 وعن الصواعق المحرقة ص8.


 


 


 













الصفحة 210


قوتها بعد ذلك بعدة سنوات، وهددت ـ بزعامة أبی یزید الملقب بصاحب الحمار ـ المهدیة نفسها، وهی عاصمة المهدی الشیعی، فی محاولة أخیرة، قام بها البربر فی سبیل استقلالهم سنة 945م»(1).


قال عبد الرحمن بدوی: [عن مخلد بن كیداد الیغرنی]، «نشأ فی مدینة توزون من بلاد الجرید، وادّعى أنه ابن المهدی..» إلى أن قال: «وكان نكاریاً، یكِّفر أهل السنة، ویستحل أموالهم ونساءهم، وثار على محمد عبید الله المهدی فی جهات طرابلس سنة 333هـ. وحاصر طرابلس، ودخل القیروان»(2) إلا أن یقال: إن ادعاءه البنوّة للمهدی إنما كان قبل أن یصیر من «الخوارج».


ولكنه احتمال بعید: والظاهر أنه قد نشأ خارجیاً منذ البدایة، فلیتأمل فی ذلك ولیراجع.


إمامة المرأة:


وینسب لبعض فرق «الخوارج» وهم الشبیبیة تجویز إمامة المرأة. واستدل على ذلك بأن غزالة [أم شبیب الخارجی] تولت إمامة «الخوارج» بعد ابنها شبیب(3).


بل إن ابنها شبیباً هو الذی استخلفها، «فدخلت الكوفة، وقامت خطیبة، وصلت الصبح بالمسجد الجامع، فقرأت فی الركعة الأولى


____________



(1)............................


(2).............................


(3) الإباضیة ص135 عن الفرق بین الفرق ص113 وراجع: شذرات الذهب ج1 ص83.













الصفحة 211


البقرة، وفی الثانیة آل عمران»(1).


أئمة الجور:


ومع أن من مذهب «الخوارج» وجوب محاربة حكام الجور بلا هوادة.. إلا أن بوادر التساهل فی هذا الأمر، قد ظهرت فی وقت مبكر، حیث صار عدد من زعماء «الخوارج» یتعاملون مع حكام الجور، بل ونجد بعضهم یقدم لهم النصیحة، ومنهم من عمل لهم كما تظهره فصول هذا الكتاب.. فلا حاجة إلى الإعادة هنا.


إذا كفر الإمام كفرت الرعیة:


ومن الغریب هنا ما ذكروه عن العوفیة، وهم فرقة من البهیسیة، من أنهم قالوا: «إذا كفر الإمام، فقد كفرت الرعیة، الغائب منهم والشاهد»(2).


مع أن الله سبحانه یقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(3)، ویقول سبحانه: (لا یضركم من ضل إذا اهتدیتم)(4).


الموقف من الصهرین ومن الصحابة:


وقد رأینا بعض علماء الإباضیة یقول: «یجب احترام الصحابة، وقول الحق فیهم»(5).


____________



(1) الخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص99 عن الخطط للمقریزی ج4 ص180.


(2) الخوارج عقدیة وفكراً وفلسفة ص98.


(3) سورة فاطر/18 وسورة الزمر/17 وسورة الأنعام/164 وراجع: سورة النجم/38 وسورة الإسراء/15.


(4) سورة المائدة/105.


(5) العقود الفضیة ص63













الصفحة 212


وهذا یخالف قولهم فی العدید منهم كطلحة، والزبیر، وعائشة، وغیرهم. لكنهم لم یلتزموا بما قاله الأزارقة حیث كفروا علیاً، وصوبوا قتل ابن ملجم له، وكفروا عثمان، وطلحة، والزبیر، وعبد الله بن عباس(1). فخالفوهم فی ذلك. وخففوا من لهجتهم حتى لیقول صابر طعیمة عنهم: «الذی نعتقده أن جمهور الإباضیة من خلال ما كتب علماؤهم ومؤرخوهم لا یرون فی الخلیفة عثمان (رض) وبقیة أصحاب رسول الله (صلى الله علیه وآله) غیر ما یرى جمهور المسلمین، بل إن أئمتهم یعنون عنایة طیبة بالصحابیین علی وعثمان (رضی الله عنه)ما، تستحق التقدیر. وإسحاق بن أطیفش الإباضی فی رسالته النقد الجلیل فی الرد الجمیل یسجل ثناءً ودعاءً للخلیفة عثمان بن عفان (رض)»(2).


ونقول:


لعل هذا هو أحد موارد عملهم بالتقیة.. وإلا، فإن الإباضیة یصرون على تضلیل عثمان، وعلی (علیه السلام) بعد التحكیم، وعلى تصویب أهل النهروان فی حربهم علیاً(3).


وقد قال ابن بطوطة: «[إنه رآهم فی عمان]: إذا أرادوا ذكر علی كنوا عنه بالرجل، ویرضون عن الشقی اللعین ابن ملجم، ویقولون فیه: العبد الصالح، قامع الفتنة»(4).


واللافت هنا هو: موقفهم العجیب من الحسنین (علیهما السلام)، حیث یعتبرون


____________



(1) الملل والنحل ج1 ص121 والخوارج فی العصر الأموی ص225 عنه.


(2) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص8 و87.


(3) راجع: الاستقامة لمحمد بن سعید الكندی ج1 ص118و119و120و55و66.


(4) رحلة ابن بطوطة ج1 ص172 والنص والاجتهاد ص99 عنه.













الصفحة 213


قتل الإمام الحسین (علیه السلام)، وسم الإمام الحسن (علیه السلام)، من الأمور العظیمة(1).


عذاب القبر:


وقد حكى الأشعری عن «الخوارج»: أنهم كانوا ینكرون عذاب القبر(2) وقد یكون سبب إنكارهم هذا هو أن هذه القضیة إنما تستفاد من النصوص الواردة عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)، ولم یكن للخوارج معرفة بالروایة كما سیأتی.


سورة یوسف لیست من القرآن:


وقالت المیمونیة: لیست سورة یوسف من القرآن(3) ونسب هذا القول إلى العجاردة أیضاً(4).


«الخوارج» ضد تأویل القرآن:


وكان أكثر «الخوارج» ـ كما یقول القلقشندی ـ ضد تأویل القرآن(5).


____________



(1) العقود الفضیة ص213.


(2) مقالات الإسلامیین ج1 ص206 والإباضیة عقیدة ومذهباً ص125.


(3) البدء والتاریخ ج5 ص138 وراجع: مقالات الإسلامیین ج1 ص166 عن الكرابیسی والخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص62و134، والعتب الجمیل ص53 عن نقد عین المیزان لمحمد بهجت البیطار ودائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص475 والأنوار النعمانیة ج2 ص248 وراجع: الإباضیة ص36 عن الملل والنحل ج1 ص129 وراجع: الإسلام لهنری ماسیه ص187 ـ 189.


(4) اعتقادات فرق المسلمین والمشركین ص56. والإباضیة عقیدة ومذهباً ص36 عن الملل والنحل ج1 ص128.


(5) صبح الأعشى ج3 ص222 والخوارج فی العصر الأموی ص204 عنه.













الصفحة 214


وهذا الاتجاه هو الذی فرض نفسه على الوهابیین وعلى سلفهم من اهل الحدیث.. حتى إن بعضهم منع من المجاز، وعبر عنه بالطاغوت(1).


سهولة التكفیر عند «الخوارج»:


وإننا فی حین نجد المرجئة یقولون: لا یضر مع الإیمان ذنب، كما لا ینفع مع الكفر طاعة(2) لكن الأزارقة قد «أخرجوا مرتكب الكبیرة عن دائرة الإسلام»(3) بل یرمونه بالشرك أیضاً(4).


لكن فرقة أخرى من «الخوارج» لا تكفر مرتكب الكبیرة فی دیار هجرتهم إلا إذا كان قاتلاً لأحدهم(5).


أما النجدات، فیقولون: «من نظر نظرة صغیرة أو كذب كذبة صغیرة، ثم أصر علیها فهو مشرك. وأن من زنى، وسرق، وشرب الخمر غیر مصر علیه فهو مسلم، إذا كان من موافقیهم»(6).


وقد رأى الأزارقة أن سائر المسلمین مخلدون فی النار(7).


وسیأتی المزید من النصوص الدالة على تكفیرهم المسلمین، واستحلالهم قتلهم.


____________



(1) راجع: بحوث مع أهل السنة والسلفیة.


(2) الإبانة للأشعری ص2.


(3) الملل والنحل ج1 ص121و122 والخوارج فی العصر الأموی ص225 وراجع: الأنوار النعمانیة ج1 ص247.


(4) الفرق بین الفرق ص73 وراجع: الأنوار النعمانیة ج2 ص247 عن الیزیدیة.


(5) الكامل فی الأدب ج3 ص153 والخوارج فی العصر الأموی ص225 عنه وعن المصنف المجهول ص94.


(6) الخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص76 و77.


(7) الملل والنحل ج1 ص121و122 والخوارج فی العصر الأموی ص225 عنه.













الصفحة 215


بین القدریة و«الخوارج»:


وقبل أن نستعرض بعض التفاصیل فی عقائد «الخوارج» نشیر إلى ما روی..


عن رجل عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: لعن الله القدریة، لعن الله «الخوارج»، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة.


قال: قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة، ولعنت هؤلاء مرتین؟


قال: إن هؤلاء یقولون: إن قتلتنا مؤمنون، فدماؤنا متلطخة بثیابهم إلى یوم القیامة. إن الله حكى عن قوم فی كتابه: لن نؤمن لرسول حتى یأتینا بقربان تأكله النار، قل: قد جاءكم رسل من قبلی بالبینات، وبالذی قلتم، فلم قتلتموهم إن كنتم صادقین؟


قال: كان بین القاتلین والقائلین خمس ماءة عام، فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا(1).


وذلك یدل على أن اعتقاد «الخوارج» فی مخالفیهم الذین یكفرونهم یهون علیهم ارتكاب جریمة القتل فی حقهم، حتى قتل أهل البیت (علیهم السلام).


وأما من یعتقد بأن مخالفیه من المسلمین، فإن إقدامه على قتل من یراه مسلماً یصبح أكثر قبحاً ویحتاج إلى المزید من الجرأة على الله سبحانه، وعلى أحكام دینه، ولا یقدم على ذلك إلا بعد أن یبلغ الغایة فی القسوة والجحود والطغیان والبغی.


المرجئة و«الخوارج»:


لقد ادرك الناس خطر «الخوارج» بصورة عمیقة، وقد أصبحوا


____________



(1) الكافی ج2 ص300/301.













الصفحة 216


یجعلونهم مقیاساً لدرجة الخطورة فی الدعوات المنحرفة، وقد كان إبراهیم النخعی یقول: لأنا على هذه الأمة من المرجئة أخوف علیهم من عدتهم من الأزارقة(1).


قسوة التعالیم:


ولعل من أهم الآثار التی نشأت عن تسرعهم فی التكفیر، ثم المبادرة لاتخاذهم الموقف القاسی والشرس ضد من یكفرونه، أن هذه العقیدة قد استطاعت أن تفصلهم تماماً عن كل الآخرین.. وتجعلهم أكثر تصلباً فی مواقفهم، بعد أن لم یعد هناك أیة فرصة للنقاش فی أیة مفردة من المفردات التی كانت تحكم تفكیرهم، وتهیمن على مواقفهم، وتدفعهم لممارسة أشد أنواع العنف فی حق خصومهم.


حتى اصبح الشباب الذین ینساقون وراء شعاراتهم أسرى تلك الشعارات والأفكار، فهم یعیشونها بانفعال وتشنج یمنعهم من ممارسة أی نوع من أنواع التفكیر الهادئ، والموضوعی والرصین. وتمنعهم من سماع وجهات نظر الآخرین، الذین یرون أنهم كفرة، لابد من استئصال شأفتهم، فهم لیسوا معنیین بای شیء یفكرون فیه، ولا مهتمین بالتفكیر بأی مبرر یمكن أن یرضوه لأنفسهم مهما كان نوعه.


رغم القسوة:


ورغم قسوة تعالیمهم، وشراستهم فی التعاطی مع خصومهم، فإنهم هم أنفسهم قد تخلوا عن كثیر من تعالیمهم ـ كما سنرى ـ كما أنهم فی


____________



(1) سیر أعلام النبلاء ج4 ص523 وفی هامشه عن ابن سعد ج6 ص274.













الصفحة 217


المجال العملی لم یصبروا على المكاره، بل التجأوا إلى أسلوب التقیة، فمارسوه بصورة تصل أحیاناً إلى حد الإسفاف، والاستهتار، الذی یرفضه الضمیر، ویأباه الوجدان، كما سیتضح فی الفقرة التالیة..


جنون التقیة:


إنه رغم أن «الخوارج» الأولین كانوا یحرمون التقیة، ولا یجیزونها فی قول أو عمل(1).


فإن أتباع زیاد بن الاصفر قد جوزوها فی القول دون العمل(2).


وقال النجدات بجوازها(3).


وقد أمر أبو بلال امرأة من بنی یربوع بالتقیة، وقال لها: «إن التقیة لا بأس بها، فتغیبی، فإن هذا الجبار قد ذكرك»(4).


وأجاز بعض زعماء الصفریة تزویج المسلمات من كفار قومهم فی دار التقیة، دون العلانیة(5).


وكذلك فإن الضحاكیة ـ وهم فرقة من الإباضیة ـ قد اجازوا ذلك الزواج، وأضافوا إلى ذلك قولهم: كما یسع الرجل منهم أن یتزوج المرأة الكافرة من قومه فی دار التقیة(6).


____________



(1) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص35.


(2) اعتقادات فرق المسلمین والمشركین ص65 وعنه فی الخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص79.


(3) الخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص76.


(4) العقود الفضیة ص110و112.


(5) اعتقادات فرق المسلمین والمشركین ص122 والملل والنحل للشهرستانی ج1 ص143 والخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص79.


(6) مقلات الإسلامیین ج1 ص175/176 والخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص96 عنه.













الصفحة 218


وفرقة الحسینیة ـ من الإباضیة ـ أباحوا الزنى، وأخذ الأموال لمن أكره على ذلك، یتقی به، ویغرم بعد ذلك(1).


وقال النكاریة ـ وهم من الإباضیة ـ «یجوز شرب الخمر على التقیة»(2).


وستأتی قضیة ابن إباض والسید الحمیری حین بلغه أن عبد الله بن إباض راس الإباضیة، یعیب على علی (علیه السلام)، ویتهدد السید بأن یذكره عند المنصور بما یوجب القتل، وكان ابن إباض یظهر التسنن، ویكتم مذهب الإباضیة.


فكتب إلیه السید قصیدة طویلة یذكر فیها فضائل علی (علیه السلام)، فامتعض ابن إباض منها جداً، وأجلب فی أصحابه، وسعى بها إلى الفقهاء والقراء، فاجتمعوا وساروا إلى المنصور.


ثم تذكر القصة: «ما اتهموه به، ودفاع السید عن نفسه، وإحراج ابن إباض أمام المنصور حیث أمر بحبسه، فمات فی الحبس، ثم أمر بمن كان معه فضربوا بالمقارع، وأمر للسید بخمسة آلاف درهم»(3).


ومما ذكرناه یتضح: أن قول البعض: «وجدنا «الخوارج» فی أواخر العصر الأموی یأخذون بمبدأ التقیة، ویعمدون إلى الدعوة السریة كأسلوب یناوؤن به الحكومة الأمویة»(4).


غیر دقیق.. فإن التقیة قد بدأت منهم منذ بدایات ظهورهم..


____________



(1) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص54 عن الإباضیة بین الفرق الإسلامیة ص363 (2) الإباضیة ص62.


(3) أخبار السید الحمیری للمرزبانی ص53/54.


(4) قضایا فی التاریخ الإسلامی ص90.













الصفحة 219


تأثیرات الإباضیة بالمعتزلة فی عقائدهم:


هذا.. وربما یتصور أحیاناً تاثر الإباضیة فی بعض أصولهم العقائدیة بالمعتزلة(1) وذلك بملاحظة مخالفتهم لأهل السنة فی أصول عقائدیة هامة، مثل مسائل التشبیه، والتجسیم. وعدم رؤیة الله تعالى فی الآخرة الذی هو رأی جمهور «الخوارج» أیضاً والجبر والقدر(2). ومسألة خلق القرآن(3) حتى لقد قال نلینو: «إن الجزء الأكبر من مذهب الإباضیة فی شمال إفریقیة إذن معتزلی»(4).


هذا.. ولكن الذی یبدو لنا: أن الأمر لیس كذلك، إذ أن «الخوارج» ومیهم الإباضیة لم یتح لهم الاختلاط بالمعتزلة، ولا عایشوا التیارات


____________



(1) راجع: ضحى الإسلام ج3 ص337 ولیراجع ص334 والإباضیة عقیدة ومذهباً ص72 و61 و73 و80 و95 و101 و147 والعقود الفضیة حول نفی التشبیه ص287 وحول كون صفات الله عین ذاته ص285 وحول رؤیة الله وحول عدم رؤیته فی الآخرة ص287 وحول نفی الجبر ص144 وحول تولیة المفضول ص155.


(2) إلا أن «من مذهب شیبان أنه قال بالجبر إلخ» الملل والنحل ج1 ص133.


(3) فإن جمیع الخوارج یقولون بخلق القرآن راجع: المقالات للأشعری ج1 ص203 والخوارج فی العصر الأموی ص203 عنه والإباضیة عقیدة ومذهباً ص100و103و104 وراجع: مقدمة الأستاذ محمد عمارة لكتاب: رسائل العدل والتوحید ج1 ص53، حیث ذكر عن المستشرق نلینو بعض أوجه الشبه بین فكر المعتزلة وعقیدة الإباضیة استناداً الى كتاب: العقیدة الإباضیة لعمرو بن جمیع الإباضی، الذی عاش فی القرن التاسع الهجری، وراجع أیضاً دائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص476 وضحى الإسلام ج3 ص334 والإباضیة عقیدة ومذهباً والخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص92.


(4) مقدمة محمد عمارة لكتاب رسائل العدل والتوحید ج1 ص53 وفی الهامش عن: بحوث فی المعتزلة ص204 و205 و206 و208 وراجع دائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص476.













الصفحة 220


الفكریة بصورة فعالة.. كما أن تفرقهم فی البلاد، وبعدهم عن العواصم الإسلامیة قد جعلهم أقل تعرضاً لذلك المد العارم للأحادیث الإسرائیلیات، المنسوبة للنبی (صلى الله علیه وآله) ولبعض صحابته، وبقوا فی تعاملهم مع النصوص القرآنیة على طبعهم العربی الساذج.


ولأجل ذلك نقول: إن الظاهر هو أن الخوارج قد توصلوا إلى آرائهم العقائدیة تلك بانفسهم، ومن دون اعتماد على الغیر، أو تاثر بأحد.


بل نجد البعض: قد تنبه إلى هذا الأمر لذلك فهو یعكس القضیة، ویقول: «لاحظ الدارسون حدیثاً... العلاقة الوثیقة بین عقائد الإباضیة والمعتزلة..


ویمكن أن نقول أیضاً: إن المعتزلة استوحوا الخوارج فی بعض المسائل..»(1).


مع العلم: «أننا لا نعرف فقه «الخوارج» وعقائدهم فی مجموعها إلا عند الإباضیة»(2) لأنهم هم الذین استمرت نحلتهم، ودونت عقائدهم وفقههم.


ونجد هذا التضارب فی الآراء فی هذا التأثر والتأثیر قد سرى إلى زعیم الإباضیة نفسه.


ففی حین نجد من یقول: إن عبد الله بن إباض قد رجع إلى الاعتزال. حتى قال أبو القاسم البلخی: والذی یدل على ذلك: أن أصحابه لا یعظمون أمره(3).


نجد بعضهم الآخر یقول: إنه رجع إلى قول الثعالبة من فرق


____________



(1) دائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص476.


(2) دائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص475.


(3) الحور العین ص173.













الصفحة 221


«الخوارج» «فبرئ منه أصحابه، فهم لا یعرفونه الیوم. وقد سألنا من هو مقدمهم فی علمهم ومذهبهم عنهم(1) فما عرفه منهم أحد»(2).


ثم أنكر ذلك المؤرخ الإباضی علی یحیى معمر حیث قال: «لم یزعم احد من الإباضیة: أن عبد الله بن إباض رجع إلى قول الثعالبة، ولا یوجد أحد من الإباضیة یبرأ منه، فهم مجمعون على ولایته، ویعتبرونه من أئمة المسلمین، ومن كبار التابعین»(3).


بل یدعی الإباضیة: أن ابن إباض قد فارق جمیع الفرق الضالة، وعد منهم الخوارج(4).


وهكذا یتضح: أن دعوى تأثر الإباضیة بالمعتزلة تقابلها دعوى تأثر المعتزلة بالإباضیة. وإن كان ظاهر الحال یقتضی صحة الدعوى الأولى.


وذلك بملاحظة الخلاف حول تقلبات ابن إباض نفسه، فی الناحیة العقائدیة حسبما أشرنا إلیه آنفاً.


فرقة الإباضیة و«الخوارج»:


قد عرفنا فیما سبق: أن إحدى فرق «الخوارج»، وهی فرقة الإباضیة تمتاز عن سائر فرق «الخوارج» بفقهها وعقائدها، وتختلف عنهم ومعهم، وقد ظهرت ملامح هذا الاختلاف فی كثیر من الموارد التی سجلناها فیما سبق، حتى قال البعض فی ما یرتبط بموقع الإباضیة من سائر فرق «الخوارج»:


____________



(1) لعل الصحیح: عنه. أی عن ابن إباض.


(2) الفصل فی الملل والأهواء والنحل ج4 ص191.


(3) الإباضیة ص46 عن الإباضیة بین الفرق الإسلامیة ص354.


(4) العقود الفضیة ص121.













الصفحة 222


«.. والخلاف الذی بین فرق الخوارج من جانب، وفرقة الإباضیة وحدها من جانب آخر، هو أعلى خلاف فیما بین الخوارج. وهذا الخلاف قد جعل بعض المؤرخین الإباضیین المحدثین لا یعد فرقة الإباضیة بما انتهى إلیه فقهها، وجملة معتقدها من الخوارج»(1).


بل لقد قیل: «إن معظم الكتاب والمؤرخین الإباضیین، فضلاً عن الأئمة منهم ینكرون علاقة المذهب تاریخیاً بـ«الخوارج»»(2).


ویدعی الإباضیة: أن إمامهم عبد الله بن إباض قد فارق جمیع الفرق الضالة، وعدّ منهم «الخوارج» (3).


تنكر الإباضیة حتى للاسم:


وقال عامر النجار: «.. الإباضیة غاضبون ممن یعتبروهم فرقة من «الخوارج»، ویقولون: إنما هی دعایة استغلتها الدولة الأمویة لتنفیر الناس من الذین ینادون بعدم شرعیة الحكم الأموی.


كما أن للإباضیة العدید من المواقف ضد «الخوارج»(4).


وأصبح لفظ «الخوارج» مستقبحاً عندهم إلى درجة كبیرة ثم زاد استقباحه حین استبد به الأزارقة والصفریة»(5).


____________



(1) الإباضیة ص35.


(2) المصدر السابق ص145.


(3) العقود الفضیة ص121.


(4) الخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص81.


(5) العقود الفضیة ص70 وراجع ص167.













الصفحة 223